خطبة الجمعة “حق الوطن والمشاركة في بنائه” ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 17 سبتمبر 2021م بعنوان : حق الوطن والمشاركة في بنائه ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 10 صفر 1442هـ ، الموافق 17 سبتمبر 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 17 سبتمبر 2021م بعنوان : حق الوطن والمشاركة في بنائه ، للشيخ كمال المهدي:
1- ماذَا يَعنيِ لنا الوطن ؟
2- حبُّ الوطنِ غريزةٌ وفطرة . ٌ
3- كيف نبني الوطن َ؟
4- بنودُ المشاركةِ في بناءِ الوطن. ِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 17 سبتمبر 2021م ، بعنوان : حق الوطن والمشاركة في بنائه ، كما يلي:
**
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين سيدِنا محمدٍ عليه أفضلٌ الصلاةِ وأتمُّ التسليم.
أما بعد :- ُفأوصيكُم ونفسى بتقوى اللهِ
أحبتيِ في اللهِ :- حديثُنا اليومَ سيدورُ بمشيئةِ اللهِ تعالى حولَ (حقِّ الوطنِ والمشاركةِ في بنائهِ)..
وأسألُ نفسي وإياكُم سؤالاً…. ماذا يعني لنا الوطن ؟.. سؤالٌ لابدَّ أن تكونَ إجابتُه مدروسةً وصادقةً بكلِّ حروفِها، فالوطنُ كلمةٌ بسيطةٌ وحروفُها قليلةٌ، ولكنْ لها الكثيرُ من المعاني العظيمةِ والكبيرةِ التي نعجزُ عن عدِّها، فهو هويتُنا التي نحملُها ونفتخرُ بها، وهو المكانُ الذي نلجأُ إليه ونحسُّ فيه بالأمانِ، هو الحضنُ الدافئُ الذي يجمعُنا، الوطنُ هو أغلى الاشياءِ الثمينةِ على قلوبِنا….
لذلك يقعُ على عاتقِنا أنْ نحميَهُ وندافعَ عنه، ونفديَه بأرواحِنا وأغلى ما نملكُ، ونعملَ بجدٍ لبقائِه آمناً وصامداً، ومهما كتبنَا من العباراتِ والأشعارِ لا يمكنُ وصفَ الحبِّ الذي يكمُنُ بداخلِنا لأوطانِنا..
فحبُّ الوطنِ غريزةٌ فطريةٌ يشتركُ فيها الإنسانُ مع غيرِه، فيألَفُ أرضَه ولو كانتْ قفراً مستوحَشَاً، ويستريحُ إلى البقاءِ فيه على علاتِه، ويحنُّ إليه إذا غابَ عنه، ويدافعُ عنه إذا هُوجِمَ، ويَغضبُ له إذا انتقصَ.
وصدقَ القائلُ:-
بلادٌ أَلِفْناهَــــا عَلـــى كُلِّ حالــــةٍ * وقَدْ يُؤلَفُ الشيءُ الذى ليس بالحَسَنْ .. وَنَسْتَعذَبُ الأرضَ التِي لاَ هَوا بِها ** ولا ماؤُهَا عَــذْبٌ ولكِنَّها وَطَــنْ..
وقد اقترنَ حبُّ الوطنِ في القرآنِ الكريمِ بحبِّ النفسِ قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)[النساء :٦٦]. واقترنَ في موضعٍ آخرَ بالدينِ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة:٨ ]. وهذا يدلُّ على أنَّ فطرةَ الإنسانِ التي فطرَهُ اللهُ عليها حبُّ الوطنِ والديارِ … وهذا الحبُّ يجبُ ألا يظلَّ حبيسًا في الصدورِ، نحصرُه في الشعاراتِ والهتافاتِ، وإنما ينبغي أنْ يُتَرْجَمَ إلى واقعٍ ملموسٍ، وأفعالٍ حقيقيةٍ تُعبرُ عن صدقِ الانتماءِ للوطنِ ، وتُسهمُ فعلياً في إعلاءِ مصلحتِه العليا ونهضتِه والعملِ على رفعتِه..
*فكيف نبني الوطنَ؟
إنّ لرسولِنا صلى اللهُ عليه وسلم منهجيةً واضحةً في بناءِ الأوطانِ، تتمثلُ في خمسةِ محاورٍ رئيسيةٍ:
أولُها:(( بناءُ الإنسانِ قبل بناءِ العُمرانِ))..
فلن يُبنَى وطنٌ ..في كلِّ بقاعِ الارضِ… ما لم يبنَ الإنسانُ فيه أولا..
ومما يدلُ على ذلك أنَّ ﺍﻟﺼﻴﻨيين ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ أرادُوا ﺃﻥْ ﻳﻌﻴﺸُﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻥٍ، فقامُوا ببناءِ ﺳﻮﺭِ ﺍﻟﺼﻴﻦِ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢِ ﻭﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪُ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊُ ﺗﺴﻠﻘَﻪ ﻟﺸﺪﺓِ ﻋﻠﻮﻩِ، ﻭﻟﻜﻦ ..!
ﺧﻼﻝَ المائةِ عامٍ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺑﻌﺪ بناءِ ﺍﻟﺴﻮرِ تعرضتْ ﺍﻟﺼﻴﻦُ ﻟﻠﻐﺰﻭِ ﺛﻼﺙَ ﻣﺮﺍﺕ !ٍ
ﻭﻓﻰ ﻛﻞِ ﻣﺮﺓٍ ﻟﻢ ﺗﻜﻦْ ﺟﺤﺎﻓﻞُ ﺍﻟﻌﺪﻭِ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔِ ﻓﻰ ﺣﺎﺟﺔٍ ﺇﻟﻰ ِاختراقِ ﺍﻟﺴﻮﺭِ ﺃﻭ ﺗﺴﻠﻘﻪِ ..!
ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﻣﺮﺓٍ ﻳﺪﻓﻌﻮﻥ ﻟﻠﺤﺎﺭﺱَ ﺍﻟﺮﺷﻮﺓَ ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻋﺒﺮَ ﺍﻟﺒﺎﺏ…ِ
ﻟﻘﺪ ﺍﻧﺸﻐﻞَ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ببناءِ ﺍﻟﺴﻮﺭِ ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺑﻨﺎءَ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ..ِ
ﻓﺒﻨﺎءُ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥِ ﻳﺄﺗﻲ قبل بناءِ ﻛﻞِّ ﺷﻲٍﺀ
فهل يُبنى الوطنُ على يدِ هذه الفئةِِ من الشّباب الذين يقتلون أوقاتًهـم فيما لا طائلَ من ورائِه؛ جلوسًا في المقاهي طيلـةَ اليومِ كالعجزةِ راصدين كلَّ غادٍ وراحٍ، أو رابضين أمامَ أبوابِ المدارسِ يتصيّدون التلميذاتِ للتحرّشِ بهنّ ومضايقتِهنّ، وفي أحسنِ الأحوالِ يمكثون في بيوتِهم نائمين إلى ساعاتٍ متأخرةٍ جدًّا من النّهارِ أو جالسين أمامَ قنواتِ اللّهوِ والفسادِ.. لا والله لا يُبنى الوطنُ على يدِ هؤلاء.
ومِن هُنا كان لزاماً علينا أن نهتمَ ببناءِ الإنسانِ ؛ لأنه محورُ كلّ تقدمٍ حقيقيٍ مستمرٍ فمهما أقمنَا من مبانٍي ومنشآتٍ ومدارسَ ومستشفياتٍ.. فإن ذلك كلَّه يظلُّ كياناً مادياً لا روحَ فيه .. غيرَ قادرٍ على الاستمرارِ، إن روحَ كلِّ ذلك الإنسانُ. الإنسانُ القادرُ بفكرهِ ،القادرُ بطاقتهِ وإمكانياتِه على صيانةِ كلّ هذه المنشآتِ والتقدمِ بها والنموِ معها .
** ثانيها :- ((بناءُ وحْدَة الصفِّ المجتمعيِّ))..
فإنّ المجتمعَ الذي يتمزّقُ فيه عُرى الأخوةِ والوحدةِ يكونُ عُرْضَةً للعنفِ والشتاتِ والتدخلِ الخارجيِّ؛ فلا بدَّ من وحدةِ الصفِّ بين أبناءِ المجتمعِ الواحدِ كما فعلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في أوّلِ مَقْدِمِهِ إلى المدينةِ ، آخىَ بين المسلمِ والمسلمِ أخوةً إنسانيةً ووطنيةً وإسلاميةً، كما آخى بين المسلمِ وغير المسلمِ أخوةً إنسانيةً ووطنيّةً . فاستطاعَ أن يحفظَ الوطنَ في أوّلِ عهدِ تأسيسِه، يقولُ اللهٌ تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران: ١٠٣]، وقال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال: ٤٦ ]، والنبيُّ صلى اللهُ عليه وسلّم يقولُ كما ثبتَ في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ النعمانِ:- (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)..
وصدقَ القائلُ :-
كونوا جميعًا يا بني إذا اعترى*** خطبٌ ولا تتفرّقوا آحادًا..
تأبى الرّماحُ إذا اجتمعن تكسّرًا*** وإذا افترقن تكسّرت أفرادًا..
فعلينا إذا أردنَا بناءَ الوطنِ أنْ ننبذَ الفرقةَ فلا للعصبياتِ القبليةِ والعصبياتِ المذهبيةِ والدينيةِ والحزبيةِ فربُّنَا واحدٌ وأبانَا واحدٌ ووطنُنا واحدٌ..
فالناسُ كلُّهم أخوةٌ، تجمعُ بينهم العبوديةُ للهِ، والبنوةُ لآدم، “إن ربَّكم واحدٌ، وإن أباكم واحدٌ” واختلافُهم واقعٌ بمشيئةِ اللهِ تعالى وحكمتِه، وهو يفصلُ بينهم يومَ القيامةِ، فيما كانوا فيه يختلفون”… فليتفقْ الناسُ على القواسمِ المشتركةِ، ويتعاونوا من خلالِها، وإنْ اختلفوا في أمورٍ أُخرى..
** ثالثها :- ((العملُ)) فبالعملِ تتقدمُ الأممُ وتنهضُ المجتمعاتُ ولنا في رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الأسوةُ والقدوةُ فلما هاجرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نظرَ إلي أحوالِ بلدتِه الاقتصاديةِ فوجدَ اليهودَ يسيطرون علي الاقتصادِ كلهِ؛ عندهُم الأسواقُ التي تتمُ فيها كلّ أنواعِ التجاراتِ، ويكادون يحتكرون تجارةَ الذهبِ وتجارةَ السلاحِ، والمسلمون لا غني لهم عن الذهابِ إلي أسواقِهم للشراءِ منهم، فبدأَ تخطيطاً نبويًّا واختارَ مكاناً في المدينةِ وخططَه بإلهامٍ من اللهِ، وفجَّرَ الطاقاتِ التي بين أصحابِه حتي يَبرعوا في هذه الحياةِ، مع شدةِ علاقتِهم القويّة باللهِ جلَّ في علاه.
وجدَ أنْ أهلَ مكةَ كانوا مهرةً في التجارةِ، فخططَ السوقَ وأمرَهم أن يتاجروا فيه ليستغنوا في بيعِهم وشرائِهم واقتصادِهم عن اليهودِ، وقد كان ذلك بفضلِ اللهِ وتخطيطِ رسولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم.
ووجدَ أنَّ القومَ في المدينةِ لا يأكلون و لا يزرعون إلا النخيلَ والتمرَ فأرادَ أن يكتفوا من الناحيةِ الغذائيةِ حتي لا يتحكمُ فيهم أعداؤُهم، فدعا ذوي الطاقاتِ وذوي المواهب الزراعيةِ إلي النظرِ في الصحراءِ وإصلاحِ أرضِها، وزراعتِها. الزراعةُ التي يحتاجُها سكانُ أهلِ المدينةِ، وأصدرَ قانوناً عاماً يشجعُهم علي ذلك، فقال صلواتُ ربي وتسليماتُه عليه:
(من أحيا أرضاً ميتةً فهي له(
أي أنَّ مَن استصلحَ أرضاً وجعلَها أرضاً تخرجَ النباتَ فهي له، لأنه أصلحَها، تشجيعاً للصلاحِ والإصلاح.ِ
فالإسلامُ دعا إلي العملِ والإنتاجِ.. فارتفاعُ وهبوط ُ الأممِ، وبقاءُها واندثارُها يرتبطُ ارتباطًا كبيرًا بعملِ أبنائِها وتطلُّعاتِهم واهتماماتِهم، فلن ترتقيَ أمةٌ يميلُ أبناؤُها إلى الدَّعةِ والراحةِ والسكونِ ، وإنّ نهضةَ الأممِ والشعوبِ ورقيَّها وسيادتَها وسعادتَها تتوقفُ على تقدمِها في مجالِ العملِ، ولا شكَّ أنّ للكسلِ والبطالةِ والقعودِ عن العملِ أضراراً وأمراضاً خطيرةً تُهددُ المجتمعَ بالخرابِ والدمارِ، فالإنسانُ الذي يركنُ إلى البطالةِ ويُضربُ عن العملِ مع توفرِ فرصهِ يُضَيعُ نفسَهِ ويضيعُ ذويهِ، ويصبحُ عالةً على غيرهِ وعضواً مشلولا يعوقُ حركةَ المجتمعِ وتقدمهِ، فلن يُبنى وطنٌ على يدِ شعبٍ يريدُ أنْ ينجحَ دونَ مذاكرة..ٍ
يريدُ أنْ يكسبَ مالا وهو جالسٌ على النتِ في البيتِ..
يريدُ أنْ يتزوجَ العفيفةَ وهو متحرشٌ..
بل يريدُ أنْ يموتَ ساجدا وهو لا يُصلى..
فأين العملُ…؟ ** رابعُها :- ((العلمُ)) ، فهو ركيزةٌ أساسيةٌ في بناءِ الوطنِ ورفعتِه وتقدمِه، وبه تتفاضلُ الأممُ.
ولله درُ القائلِ :
العلمُ يرفعُ بيوتا لا عمادَ لها * والجهلُ يهدمُ بيوتَ العزِّ والكرم.. ِ
فلا يمكنُ أنْ تُبنى حضارةٌ دون أن يكونَ العلمُ هو أحدُ أركانِها؛ فبالعلمِ تنهضُ الأممُ وتتقدمُ؛ لذلك ولغيرِه حثَّ الإسلامُ على العلمِ وأكدَّ عليه، حتى كان أولُ آياتٍ نزلتْ على النبي صلى الله عليه وسلم داعيةً إلى العلم، قال تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق١_٥ ] بل إنك لن تجدَ أنّ اللهَ تعالى أمرَ بالاستزادةِ من شيءٍ كما أمرَ بالاستزادةِ من العلمِ؛ قال تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً )[طه١١٤] كما ينبغي علينا أنْ نعلمَ أنّ العلمَ الذي نقصدُ يشملُ كلَّ علمٍ نافعٍ في جميعِ المجالاتِ التي فيها مصلحةُ البشريةِ، وتيسيرُ أمورِ حياتِها؛ كالطبِ والهندسةِ والكيمياءِ، والرياضياتِ، والميكانيِكا، وعلومِ الحاسوبِ والتكنولوجيا، والبناءِ، والملاحةِ … الخ ؛ فحينَما مدحَ اللهُ تعالي داودَ وسليمانَ (عليهما السلام) في القرءانِ مدحهمَا بالعلمِ فقال (ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)[النمل ١٠] فالعلمُ يحفظُ العقولَ مما يفسدُها، كالتصوراتِ الخاطئةِ والأفكارِ المتطرفةِ التي تدمرُ الأوطانَ ولا شكّ أنّ حفظَ العقولِ من التصوراتِ الخاطئةِ والأفكارِ المتطرفةِ بابٌ عظيمٌ إلى البناءِ والتقدمِ والرقِي.
فإذا أردنَا بناءَ الوطنِ فلنحرصْ على تعلمِ العلومِ النافعةِ.
وصدقَ القائلُ :-
بالعلمِ والمالِ يبني الناسُ ملكهم * لم يُبـن ملكٌ على جهـلٍ وإقـلالِ..
** خامسُها :- ((الأخلاقُ)) فالأخلاقُ الحسنةُ من صدقٍ وأمانةٍ…. وغيرِ ذلك من مكارمِ الأخلاقِ لهي أساسٌ عظيمٌ لبناءِ الأممِ والأوطانِ.. الأخلاقُ الحسنةُ من شأنِها أن تَبني مجتمعًا قوياً متماسكاً لا تنالُ منه يد الأعداءُ..
وصدقَ القائلُ :-
إنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت * فإن همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا..
ومن ينظرْ في الشريعةِ الإسلاميةِ ليجدْ اهتمامَها الشديد بمكارمِ الأخلاقِ ، بل لا تعجبْ إن قلتُ لك إنّ غايةَ هذه الرسالةِ هي إتمامُ وإصلاحُ مكارمِ الأخلاقِ، فهاهو النبيُ صلى الله عليه وسلم، يعلنُ هذا قائلا ” إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ” رواه أحمد ) فحرىٌ بنا أنْ نتخلقَ بالأخلاقِ الحسنةِ التي تتقدمُ بها الأممُ ولننبذْ كلَّ خلقٍ ذميمٍ يكون سببا في دمارِ الوطنِ من ترويجِ الشائعاتِ والأراجيفِ والأباطيلِ ؛ التي تُعدُّ سلاحا لا تراه إلا بيدِ المغرضين وأصحابِ الأهواءِ والأعداءِ والعملاءِ، والمنافقين؛ غايتُهم منها كسرُ التآلفِ والتكاتفِ وإثارةِ الأحقادِ ونشرِ الظنونِ السيئةِ، وترويجِ السلبياتِ بين أبناءِ المجتمعِ وخلخلةِ الصفوفِ وإضعافِ تماسكِها والنيلِ من وحدةِ أبناءِ الوطنِ.
** فلنشاركْ جميعا في بناءِ الوطنِ وذلك من خلالِ ما يأتي :-
- المُساهمةُ في خِدمةِ الوطنِ من خلالِ المشاركةِ في المبادراتِ التي تُعنى بنظافتِه وإعمارهِ ونمائهِ وتحقيقِ التكافلِ الاجتماعيِ فيه.
- الحفاظُ على أمنِ الوطنِ وكفّ الأذى عن دِماءِ المواطنين وأعراضِهم وأموالِهم، والاستعدادِ للتضحيةِ بالأموالِ والأرواحِ في سبيلِ الدفاعِ عن الوطن.ِ
- احترامُ القوانين وعدم مخالفتِها، والدعوةُ إلى تَطبيقِها ومجابهةِ كلّ من يخالفها، ممّا يَنتجُ عنه حفظَ المجتمعِ من الفوضى والتخريب.ِ
- عدمُ التهربِ من الضرائبِ والرسومِ.
- العملُ على بناءِ الوطنِ ورفعتهِ كلٌ حسبِ ما يمتلكُه من علمٍ وخبرةٍ ومعرفةٍ.
** وفي الختامِ :- أقولُ لكم إذا أردنَا أنْ نَبني وطنًا قويًا متماسكاً….فلنحذرْ من الفتنِ… هذه الفتنُ التي تدمرُ المجتمعات. ِ
والفتنُ الآن كثيرة.. ٌ
هذه الفتنُ يفقدُ الإنسانُ فيها دينَه بين عشيةٍ وضحاهَا ، كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمالِ فتنا كقطعِ الليلِ المظلمِ يصبحُ الرجلُ مؤمنا ويمسي كافرا يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا).
فالنبيُ صلى الله عليه وسلم يحذرنَا ِمن أنْ ننهضَ لهذه الفتنِ أو أن نمشيَ فيها أو أنْ نُوقظها.
هذه الفتنُ إن اشتعلتْ نيرانُها لا يُسمع فيها صوتُ العلماءِ ولا صوتُ الحكماءِ ولا صوتُ العقلاءِ لذا يقولُ صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (ستكون فتنٌ) اللهم اعصمنَا منها يا أرحمَ الراحمين ، ستكونُ فتنٌ القاعدُ فيها خيرٌ من القائمِ والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي والماشي فيها خيرٌ من الساعي ومن تشرف لها تستشرفه) يعني من عرضَ نفسه لها ستهلكه الفتن.
الفتنُ تدمرُ الدينَ.
يفقدُ فيها الإنسانُ دينَه.
والفتنُ تدمرُ البلدَ وتحرقٌ الوطنَ (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون؟ (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره
(مثلُ القائمِ على حدودِ الله والواقعِ فيها كمثلِ قومٍ استهموا على سفينةٍ فأصابَ بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا حتى لا نؤذي من فوقنا] قال : [لو تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعا] لو ترك من ينزلون السفينة من أعلاها أولئك الذين نزلوا في قاع السفينة لو تركوهم يخرقون خرقا في قاع السفينة ليحصلوا على الماء بيسرٍ وسهولةٍ من القاع مباشرةُ حتى لا يؤذوا من فوقهم بالمرور عليهم ذهاباً وإياباً لو تركوهم يفعلون ذلك لهلكوا جميعاً لهلك من نزل في أعلى السفينة وهلك من نزل في أسفل السفينة [لو تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعاً ولو أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً.
فانظرْ كيف كانوا يبررون لفعلِهم بأنهم لا يريدون الاذىَ وهم لا يفعلون الا الاذىَ
هكذا يكونُ المفسدُ باسم الدينِ
– لذا وجبَ أنْ نقفَ ضدَّ هؤلاءِ وفي ذلك دلالةً على أنّ الناسَ إنْ منعوا الفاسقَ عن فسقهِ، نجا ونجَوا معه، وإنْ تركوه يفعلُ المعصيةَ ولم يردعوه، نزلَ بهم عذابُ اللهِ تعالى وهلكوا جميعاً، يقولُ سبحانه: {وَاتّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً} وهذا ما أكدَه النبيُ صلى الله عليه وسلم حينما سُئل: “أنهلكُ وفينا الصالحون؟” قال: (نعم.. إذا كثُرَ الخبثُ) رواه البخاري.
فلا يجوزُ للعقلاءِ والعلماءِ والحكماءِ أنْ يتركوا السفهاءَ يشعلوا ويغرقوا سفينةَ المجتمع.. ِ
وليعلمْ مَن تُسَوِّل له نفسُه، ومن يُزَيِّن له الشيطانُ أنّ العبثَ بأمنِ هذه البلادِ واستقرارِها، ومن يقترف جريمةَ التخريبِ والإرهابِ والإفسادِ في الأرضِ فقد وقعَ في هاويةِ المكرِ والخيانةِ، واكتسبَ جرمًا يُخزيه أبدًا، وسيلقى جزاءَه الأليم الذي قدّرَهُ اللهُ له، سواءٌ كان هذا المخرّبُ مسلمًا أو غير مسلمٍ، لأن هذا التخريبَ والإفسادَ يقتلُ ويصيبُ نفوسًا معصومةً محرّمةَ الدمِ والمالِ من المسلمين، أو غيرِ المسلمين {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} .
فالحذرَ الحذرَ أيها الشبابُ فأنتم عدةُ أنفسِكم وأهليِكم ومجتمعِكم ووطنِكم وأمتِكم، وأنتم أملُها ورجاؤها بكم تعمرُ البلادُ والعبادُ، وبكم تنهضُ وتزدهرُ، وعدوكُم يتربصُ بكم فسدوا الطريقَ أمامَه، فالبناءُ كبيرٌ، والهدمُ سهلٌ لكنّ الإعادةَ أصعبُ.
فلا مكانَ لمُخرِّبٍ بين شعبٍ يقِظٍ يُدرِكُ معنى البناءِ، ويقِفُ حارِسًا أمينًا، ساهرًا مُخلِصًا.
**
أسألُ اللهَ تعالى أن يرزقَنا الأمنَ والأمانَ والاستقرارَ وأن يحفظَ بلادَنا من كلِّ سوءٍ ..
**
كتبه : الشيخ / كمال السيد محمود محمد المهدي.. إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف